قراءة تحليلية في نتائج استطلاعات الرأي أثناء فترة ولاية الرئيس بوش الأب

استعرض مشرف عام المركز د.سامر أبو رمان مسيرة ولاية الرئيس بوش الأب -الذي وافته المنية قبل أيام- من خلال تحليل استطلاعات الرأي أثناء فترة رئاسته 1989 -1993 التي شهدت تحولات عالمية وأحداث كبرى.

تولى جورج بوش الأب George H.W. Bush منصب رئيس الولايات المتحدة في زمن تحولات عالمية وأحداث كبرى، كان أبرزها نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، انتصار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في حرب الخليج وتحرير الكويت، وهو ما جعل نسبة تأييده أعلى بكثير من المتوسط خلال السنوات الثلاث الأولى من رئاسته، بما في ذلك واحدة من أعلى درجات التأييد فيما يعرف بالثقة في أداء الرئيس «Presidential Approval» في تاريخ استطلاعات الرأي الأميركية الخاصة بتقييم الرئيس، وتندرج في هذا الباب نتائج استطلاعات رأي منظمة جالوب Gallup التي سنرتكز عليها في هذا التقرير ونقل بعضها بطريقة تفاعلية موقع «مشروع الرئاسة الأميركية» The American Presidency Project.

على الرغم من الارتفاع المميز للثقة بالرئيس بوش الأب بشكل لافت ولا سيما بعد حرب الخليج، إلا أن تقييمه قد انخفض بشكل كبير مع تفاقم المشاكل الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة، ما كان أحد أسباب هزيمته في انتخابات عام 1992.

كانت نسبة التأييد الأولية لبوش، بعد أيام قليلة من تنصيبه في يناير 1989، منخفضة إلى حد كبير، حيث بلغت 51%، ويرجع ذلك أساسا إلى أن 43% من الأميركيين لم يكن لديهم رأي عنه، ثم بلغت نسبة تأييده حوالي 60% وارتفعت إلى 70%، وربما يعود ذلك إلى حادثة قتل المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في الصين في يونيو 1989، حيث فرضت الولايات المتحدة بعدها مباشرة بعض العقوبات العسكرية والاقتصادية على الحكومة الصينية.

تأييد سياسته الخارجية

ويبدو أن بوش الأب قد حظي بتأييد واسع لسياسته الخارجية، إذ بلغت نسبة التأييد 70% مع انتهاء الحرب الباردة، واستمر نجاح الولايات المتحدة دوليا بعد أن أمر بوش بغزو بنما وخلع رئيسها مانويل نورييغا بعمل عسكري ناجح في ديسمبر 1989، ارتفعت نسبة تأييده إلى 80% في يناير 1990، وكانت في ذلك الوقت من بين أعلى معدلات الثقة بعمل الرئيس في تاريخ استطلاعات «غالوب» وغيرها.

وعرضا لتفاصيل هذا الارتفاع، فقد كانت نسبة شعبية بوش 74% في أوائل أغسطس 1990، بعد أن أرسل قوات أميركية إلى السعودية ردا على غزو صدام حسين للكويت، وبقيت نسبة شعبيته في بهذا المستوى لمدة شهر تقريبا، لكنها انخفضت إلى 54% في نوفمبر 1990 وسط تزايد القلق بشأن الحرب المحتملة وارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة.

ارتفعت نسبة شعبية بوش من 64% في الأسبوع الذي سبق بدء العمل العسكري لتحرير الكويت إلى 82% مباشرة، وبقيت شعبيته مرتفعة طوال الحرب حتى ما بعد الانتصار، حيث وصلت شعبيته في شهر مارس من ذلك العام الى 89%! وهو أعلى معدل تأييد للرؤساء الأميركيين تم تسجيله حتى ذلك التاريخ، ولم يتجاوزه إلا ابنه جورج دبليو بوش بنسبة 90% بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.

 

 

 

إشكالية الاقتصاد

بقيت نسبة شعبية بوش أعلى من 80% حتى منتصف أبريل 1991، لكنها تراجعت تدريجيا على مدار العام مع تحول اهتمام الأميركيين من الخليج إلى الاقتصاد الأميركي المتعثر، وعلى الرغم من أن الركود قد انتهى رسميا في مارس 1991، إلا أن الإدراك السائد بين الأميركيين بأن الاقتصاد كان في حالة سيئة قد استمر للعام التالي.

بدأت انتخابات العام 1992 بنسبة شعبية 46% للرئيس بوش، وهي المرة الأولى التي انخفضت فيها إلى أقل من مستوى الأغلبية، وانخفضت هذه النسبة إلى الأربعينيات في خضم الانتخابات التمهيدية الرئاسية عام 1992 التي تغلب فيها بوش على المرشح الجمهوري، في حين تجمع الديمقراطيون حول حاكم أركنساس بيل كلينتون، ودخل رجل الأعمال الملياردير روس بيرو أيضا السباق في أوائل العام نفسه، باعتباره مستقلا ذا توجه محافظ يهدد بسحب الأصوات من بوش، وهو ما حدث بالفعل في الانتخابات الرئاسية.

واجهت الولايات المتحدة تحديات إضافية بعدها بأشهر قليلة، أبرزها أحداث الشغب في لوس أنجيليس في أبريل ومايو. ومع ذلك، فإن شعبية بوش اقتربت من 40% حتى يونيو، ثم تراجعت نسبة تأييده إلى أدنى نقطة في رئاسته 29% في يوليو 1992، بعد أن ركز كلينتون وقادة حزبه رسالتهم على حالة الاقتصاد السيئة في المؤتمر الوطني الديموقراطي.

في أكثر من عام بقليل، كان بوش قد انتقل من الحصول على أعلى نسبة تأييد لرئيس الولايات المتحدة إلى واحد من أدنى المستويات في استطلاعات رأي غالوب! قبل أن يخسر الانتخابات لكلينتون الذي حصل على 43% من الأصوات الشعبية مقابل 37.5% لبوش.

ارتفاع جديد

بعد خسارة بوش وفي فترة «البطة العرجاء الرئاسية» «Lame duck»، ارتفعت نسبة شعبيته بشكل ملحوظ، فوصلت إلى 43% في أواخر نوفمبر، ثم إلى 49% في ديسمبر و56% في خطاب وداعه الأخير خلال يناير 1993.

والخلاصة، أن الرئيس بوش الأب قد حظي طوال فترة رئاسته بتقييم وشعبية لسياسته الخارجية أعلى من الاقتصادية، وعند مقارنته مع الرؤساء الآخرين بشكل عام، فقد بلغ متوسط معدل شعبيته وفق سلسلة استطلاعات رأي غالوب 61% خلال فترة حكمه، وقد حصل اثنان من الرؤساء حسب استطلاعات «غالوب» على نسبة أعلى من ذلك خلال فترة رئاستهما: كينيدي 70% خلال فترة ولايته المختصرة 1961-1963، أيزنهاور 65% خلال فترتين كاملتين 1953-1961، ويبقى متوسط شعبية ولاية بوش هو الأعلى من أي رئيس أميركي خدم في السنوات الخمسين الماضية.

لذا، يمكن تقييم رئاسة بوش بـ «الناجحة» من منظور الرأي العام الأميركي، وقد ساعدت الأحداث والتقلبات الدولية التاريخية على ارتفاع شعبيته في السنوات الثلاث الأولى من ولايته، لكن الاقتصاد المنهار والإجراءات غير الكافية على الجبهة الداخلية أدت في نهاية المطاف إلى تآكل دعمه خلال عام إعادة انتخابه.

 

 

المصدر:

صحيفة الأنباء