هجرة الشباب العربي.. قراءة في استطلاعات الرأي

 

– ارتفعت نسبة المهاجرين من الشباب إلى الضعف في بعض البلدان العربية

– استطلاع “جالوب”: 24% من ساكني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفضلون الهجرة بشكل نهائي

– في الأردن ارتفعت نسبة راغبي الهجرة من الربع في عام 2013 إلى النصف اليوم

– السبب الأهم للهجرة هو تحسين الوضع الاقتصادي ثم عدم الاستقرار الأمني

– أوروبا تعد المقصد الأول للمهاجرين من شمال أفريقيا وأمريكا الشمالية الجهة المفضلة للمهاجرين من الأردن ولبنان

– من 12% إلى 43% من الراغبين في الهجرة مستعدون للسفر دون أوراق رسمية

رغم أن الهجرة ظاهرة قديمة قدم الوجود الإنساني، فإنها شهدت ازدهاراً في العصر الحديث؛ لما تتيحه من فرص أمام المهاجرين، ولسهولة التنقل بين الدول أكثر مما كان ممكناً من قبل، خاصة بعد ثورة المواصلات التي انعكست على تقليص المسافات وانخفاض تكاليف السفر، وسهّلت هجرة الناس إلى دول أخرى، لعوامل متعددة تتعلق بالدراسة والازدهار الاقتصادي وعدم المساواة والديموجرافيا والعنف والنزاع والتغير البيئي.

وفي المنطقة العربية باتت هجرة الشباب من البلدان العربية، خلال الأعوام الأخيرة، إلى الخارج هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تتمثل في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات لتؤثر سلبا على تطور الاقتصاد الوطني وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.

يضاف إلى ذلك ازدهار الهجرة غير الشرعية، التي أثارت الهاجس الأمني لدى الدول المستضيفة، خاصة في أوروبا؛ الأمر الذي دفع بالسلطات إلى فرض قيود معينة بهدف عقلنة الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوروبية وسد حاجات سوق العمل الأوروبي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات، وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة.

وبالرغم من الاهتمام المتزايد بهذه الظاهرة، فإن هنالك شحاً في الأبحاث والدراسات التي تتناولها في الدول العربية، بما يهدف إلى إبراز النسبة المرتفعة من الشباب العربي ممن يرغبون بالهجرة، وما يظهره ذلك من عجز البرامج والسياسات التنموية التي اتبعتها الحكومات العربية، وفشلها في استيعاب الشباب وإدماجهم في عملية التنمية، ويظهر مستويات التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يعاني منها الشباب العربي.

قياس الهجرة من خلال استطلاعات الرأي العام:

بهدف استكشاف الخطوط العامة لظاهرة هجرة الشباب العربي، سواء من حيث الرغبة بالهجرة أو أسبابها أو الوجهات المفضلة للهجرة ومدى قانونيتها، سيتم الاستناد إلى استطلاعات الرأي العام التي تناولت مختلف الفئات العمرية، التي يمكن أن تعكس بشكل إجمالي رأي الشباب مع ملاحظة أن الشباب لديهم رغبة أكبر في الهجرة عن باقي الفئات العمرية؛ حيث ستعرض النتائج التي توصلت إليها ثلاثة من هذه المشاريع الاستطلاعية الدورية، وهي:

1- استطلاع المؤشر العربي 2018: نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ميدانياً، من خلال إجراء مقابلات وجاهية مع 18830 مستجيبًا ومستجيبة، من 11 بلدًا عربيًا، هي: موريتانيا، والمغرب، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت.

2- استطلاع البارومتر العربي Arab Barometer  2019نفذته شبكة البارومتر العربي بالتعاون مع “هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC)، مستطلعاً آراء 25407 أشخاص وجهاً لوجه في 10 دول عربية هي: ليبيا، والمغرب، والعراق، وتونس، ومصر، والأردن، والسودان، والجزائر، ولبنان، واليمن، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثم دولة الكويت التي انتهى مركز الآراء الخليجية من جمع بياناتها لاحقاً، وما زالت قيد النشر مع البيانات الخام الأخرى لباقي الدول المشمولة في المسح.

3- استطلاع جالوب العالمي: نفذته مؤسسة “جالوب” للاستطلاعات ما بين عامي 2015 – 2017 بمقابلات وجاهية مع 453122 بالغاً في 152 دولة، وتزامنت فترة الاستطلاع مع كارثة الهجرة التي بدأت في أوروبا عام 2015.

أ- الرغبة في الهجرة:

أظهر استطلاع شبكة البارومتر العربي أن 20% من المشاركين قد عبروا عن رغبتهم في الهجرة، وفي الفئة العمرية ما بين 18-29 عاماً وصلت النسبة إلى 52%، وفي المقابل كشف استطلاع المؤشر العربي 2017 أن 26% من المستجيبين يرغبون في/ينوون الهجرة، أما في استطلاع جالوب العالمي 2015 – 2017 فقد ظهر أن 24% ممن يقطنون إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفضلون الانتقال بشكل نهائي إلى بلد آخر إذا كانت لديهم الفرصة، وفي ارتفاع عن نتيجة الاستطلاع 2013 – 2016 التي كانت 22%.

ورغم التقارب بين النسب، فإنها تبقى مرتفعة ولا سيما في فئة الشباب، وقد يعود السبب في ارتفاع النسبة في المؤشر العربي إلى أن صيغة السؤال كانت واسعة مقارنة بالصيغ المستخدمة في الاستطلاعات الأخرى؛ حيث إنها جمعت بين الرغبة والنية وهما أمران مختلفان، فقد يرغب المرء ولكنه لا ينوي!

وعلى مستوى المناطق كل على حدة، أظهرت نتائج البارومتر العربي أن في ست من الدول المستطلع رأيها، يفكر في الهجرة عدد أكبر مما كان الوضع عليه في عام 2013، وقد شهد الأردن أكبر زيادة في هذا المجال، إذ ارتفعت نسبة الراغبين في الهجرة من الربع في عام 2013 إلى النصف تقريباً اليوم، أما في السودان، فقد انخفضت النسبة ولكنها ما زالت تمثل نصف عدد السكان، بينما تزيد النسبة على 40% في كل من الأردن والمغرب، وشهد لبنان واليمن أكبر انخفاض في عدد الراغبين في الهجرة.

أما في المؤشر العربي، فقد ظهر أن ما يزيد قليلاً على نصف المستجيبين في السودان يرغبون في الهجرة، في حين بلغت النسبة الثلث أو أكثر في كل من المغرب والأردن والعراق، وتراوحت بين الربع والخمس في كل من تونس وفلسطين وموريتانيا، وكانت أقل نسبة في هذا الشأن في الكويت والسعودية إذ عبر 8% من الكويتيين و5% من السعوديين عن رغبتهم في الهجرة.

على حين أظهر استطلاع “جالوب” أن نصف الشباب في سورية يرغبون في الهجرة!

ب- أسباب الهجرة:

أظهر استطلاع المؤشر العربي أن السبب الأهم للهجرة هو تحسين الوضع الاقتصادي وبنسبة 47%، ثم عدم الاستقرار الأمني وبنسبة 10%، وأفاد 9% من المستجيبين أن يرغبون بالهجرة لأسباب سياسية، وهو الأمر الذي يتفق إلى حد كبير مع ما أظهره استطلاع البارومتر العربي من أن الوضع الاقتصادي والفساد هما أبرز أسباب الهجرة، أما استطلاع جالوب فلم يتطرق إلى أسباب الهجرة.

وعند أخذ البلدان كل على حدة، يظهر تحسين الأوضاع الاقتصادية بصفته عاملاً غالباً على العوامل الأخرى باستثناء العراق والسعودية، إذ ما يزال الاستقرار الأمني والسياسي هاجساً للمواطنين العراقيين؛ فقد أفاد نصف العراقيين الراغبين بالهجرة أن دافعهم هو تحسين الوضع الاقتصادي، على حين أرجعه 30% إلى عدم الاستقرار الأمني وإلى أسباب سياسية 11%، كما أن أكثر من ربع الفلسطينيين، و14% من اللبنانيين، و10% من السعوديين، و9% من المصريين الراغبين في الهجرة، قد عزوا رغبتهم في الهجرة إلى عدم الاستقرار الأمني، وبين 38% من السعوديين و10% من المغاربة، و9% من التونسيين، و5% من الفلسطينيين أن دافعهم للهجرة نتيجة لأسباب سياسية.

جـ- الوجهات المفضلة للهجرة:

أظهر استطلاع المؤشر العربي أن 1% من المستجيبين لم يحددوا وجهتهم، كما يتضح أن أكثرية من المستجيبين ترغب في الهجرة إلى بلدان أوروبية، إذ توافق على ذلك ما نسبتهم 38%، ثم كانت دول الخليج الوجهة الثانية الأفضل وبنسبة 16%، لكن أكبر نسبة حددت بلداً بعينه كمقصد للهجرة كانت 9% إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأفاد 8% أنهم يرغبون بالهجرة إلى كندا، و2% إلى أستراليا.

وتتفق هذه النتائج إلى حد كبير، وإن اختلفت النسب، مع ما كشف عنه استطلاع البارومتر العربي، حيث تبين أن أوروبا ما زالت المقصد المفضل للراغبين في الهجرة، وبنسبة 42% وإن كانت أقل من نظيرتها في استطلاع 2016 التي بلغت 51%، من جانب آخر، ارتفعت نسبة الذين يفكرون في الهجرة إلى أمريكا الشمالية من 23% إلى 27%، بينما انخفضت نسبة الذين يريدون الهجرة إلى دول الخليج انخفاضاً طفيفاً لتبلغ 20%، أما نسبة الذين يرغبون في الهجرة إلى باقي دول المنطقة (عدا الخليج) فقد تجاوزت الضعف لتستقر عند 11%، وتعد أوروبا المقصد الأول للمهاجرين من شمال أفريقيا، وهو ما يتفق مع نتائج استطلاع جالوب حول الوجهات المفضلة لمهاجري شمال أفريقيا، على حين تعد دول الخليج المقصد الأول للمهاجرين من مصر واليمن والسودان، في حين تعد أمريكا الشمالية هي الجهة المفضلة للمهاجرين من الأردن ولبنان.

هـ- الهجرة بدون أوراق رسمية (الهجرة غير الشرعية):

وفقاً لاستطلاع البارومتر العربي، فإن الراغبين في الهجرة أبدوا استعدادا للسفر بدون أوراق رسمية، ففي السودان مثلا بلغت نسبة هؤلاء 43%، وهي نفس النسبة تقريباً في كل من الجزائر وتونس واليمن والعراق والمغرب، في حين بلغت 12% في لبنان و18% في الأردن.

التوصيات:

انطلاقاً من ارتفاع نسبة الراغبين في الهجرة من الشباب، يمكن اقتراح توصيات من شأنها التخفيف من هذه الظاهرة وآثارها السلبية، مثل:

1- الشروع في عملية إصلاح سياسي، يتيح حرية التعبير والإعلام، ويضمن للشباب التعبير عن آرائهم في القضايا الوطنية عامة وما يتصل بالشباب بشكل خاص.

2- ترسيخ مبدأ سيادة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد والمحسوبية.

3- الإصلاح الاقتصادي الذي يتضمن الربط بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل؛ للتخفيف من حدة البطالة، وتوفير الدعم المالي للشباب من القطاعات كافة لإقامة مشروعاتهم الخاصة وتبني أفكارهم المنتجة.

4- منح الشباب ميزات ملائمة لمؤهلهم التعليمي مثل الراتب المناسب لالتزامات العمل والسكن والتأمين الصحي، بما يغريهم بالإقامة في بلدانهم بحثاً عن فرص أفضل.

5- إقامة مشروعات عربية كبرى تضمن استغلال الفائض في الكفاءات واليد العاملة بما يعود بالنفع على المجموع العربي.

الدكتور سامر أبو رمان

مشرف عام مركز عالم الآراء لاستطلاعات الرأي في الاردن ومركز الآراء الخليجية في الكويت