القضايا السياسية العربية في استطلاعات الرأي الأمريكية … الصراع العربي الإسرائيلي نموذجا 1991-2008

د. سامر أبو رمان

تمهيد:

هدفت هذه الدراسة إلى معرفة توجهات الرأي العام الأمريكي حول الصراع العربي – الإسرائيلي، من خلال تحليل ودراسة نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بالصراع خلال الفترة ما بين 1991-2008.

وقد تناولت الدراسة محاور عديدة، شملت التعرف على واقع استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومجالاتها، واستخداماتها، وآلية تنفيذها، وأبرز اهتمامات مراكز استطلاعات الرأي الأمريكية بالصراع العربي الإسرائيلي، وأوجه التشابه والاختلاف بين نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكية تجاه مختلف القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، وأثر بعض الأحداث السياسية في توجهات الرأي العام الأمريكي نحو قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي المختلفة؟

أهمية الدراسة:

وتكمن أهمية هذه الدراسة من خلال إسهامها في تحقيق معرفة وفهم أعمق لرؤية الشعب الأمريكي نحو الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يعتبر أبرز القضايا السياسية المتعلقة بالمنطقة العربية، وما يمكن أن تتيحه من إمكانية التنبؤ بطبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين، إضافة إلى ما تقدمه من نماذج لاستخدام استطلاعات الرأي وتقارير مراكز استطلاعات الرأي الأمريكية بطريقة تخدم القضايا العربية.

منهجية الدراسة:

استخدم الباحث مقولات المنهج المقارن واقتراب التحليل الكمي، فأما المنهج المقارن فقد كان من خلال:

  1. مقارنة نتائج استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة تجاه قضية معينة من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، واختلافها عن قضية أخرى.
  2. مقارنة نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكي تجاه قضية معينة من فترة زمنية إلى أخرى خلال فترة الدراسة.
  3. مقارنة مختلف توجهات شرائح المجتمع الأمريكي حسب انتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية.
  4. مقارنة اختلافات نتائج مركز استطلاع رأي عن آخر حول نفس القضية، وتحليل أسباب الخلاف ومداه.

وأما التحليل  الكمي ، فقد حتمت طبيعة الدراسة أن يسير الباحث باتجاهات ومراحل مختلفة في تناوله للموضوع ، وقد كانت بداية هذه المراحل البحث عن كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي في  بنك استطلاعات الرأي I poll ، ومن ثم تصنيف هذه الاستطلاعات وترجمتها إلى اللغة العربية، مع  حذف المتكرر و تحديد مكان المتشابه، ومن ثم وضعها في جداول وإشكال ورسومات بيانية؛ سعياً نحو تقريب الفكرة قدر المستطاع ، تبع ذلك البدء بالتحليل الوصفي المباشر لهذه النتائج  ، ووضع  التفسيرات وإيجاد  الروابط  والعلاقات بين مختلف المتغيرات في حدود ما سمحت به طبيعة الدراسة من استنادها إلى تعدد المصادر والفترات الزمنية المختلفة ، وقد حاول الباحث تناول هذه المرحلة بالتقييم والحكم على صياغة أسئلة هذه الاستطلاعات ، وما ورد فيها من أفكار بما تطلبه هذا الأمر  من دراية في منهجيات استطلاعات الرأي ومواثيق الشرق والمهنية الخاصة بتنفيذها .

ولما كان البحث يستند إلى نتائج استطلاعات الرأي المختلفة، والتي تم تنفيذها من عدة جهات بأدوات مختلفة، وأحجام عينات متفاوتة، وصيغ أسئلة متنوعة، وأزمان متباعدة، فإن من الممكن القول بأن أقرب ما يطلق على هذا التحليل تعبير “تحليل المسوح المتعددة – Meta Survey Analysis”، في محاولة إعطاء صورة متماسكة عن الرأي العام الأمريكي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

وفي شكل عرض البيانات وتحليلها، اختار الباحث أسلوب العرض من خلال النسب المئوية Percentage Frequency Distributions، وليس من خلال الأرقام أو الجمع بينهما؛ ويعود ذلك إلى أن هذا هو الشكل الأساسي الموجود في بنك استطلاعات i Poll  من ناحية، وسهولته ووضوحه للقارئ من ناحية أخرى.

وفيما يتعلق بنتائج البحث، فقد أبرز الباحث رأي الأغلبية باعتباره الأقرب إلى التعبير عن الرأي العام، كما ذكر بعض القضايا التي تساوت فيها نظرة الأمريكيين للصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك أبرز قضايا الصراع التي كانت لمصلحة الطرف العربي والفلسطيني في استطلاعات الرأي الأمريكية، مثل: القدس، تأسيس دولة فلسطينية، بناء المستوطنات الإسرائيلية.

وتعرضت الدراسة أيضا إلى منهجية الأسئلة، وما يرد فيها من مفردات، وطبيعة صياغتها، وأثر ذلك على نتائج استطلاعات الرأي، ودونت العديد من النتائج، مثل: وجود علاقة طردية بين تضمين خيار “كلا الطرفين” في متن أسئلة استطلاعات الرأي المتعلقة بلوم أطراف الصراع وارتفاع نسبة الذين يختارون هذا الجواب.

ومما تجدر الإشارة إليه، وانطلاقاً من الحيادية والعلمية المتوازنة للعرض السابق في الرؤية العامة للشعب الأمريكي تجاه قضايانا العربية، ضرورة التفريق في رؤية الأمريكيين بين قضية وأخرى من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي؛ فعلى الرغم من تعدد الجوانب السلبية في رؤية الأمريكيين نحو قضايانا، كما استعرضته الدراسة من خلال استطلاعات الرأي، وكما هو معروف في قضايا أخرى، إلا أنها لا تشترك كلها بنفس الدرجة في النظرة السلبية للقضايا العربية، وهو ما يفتح المجال للباحثين لمحاولة التعليل والتفسير لهذه الفروقات وأسبابها؛ ومما لا شك فيه أن هذه التفسيرات العديدة التي يمكن للعديد من الباحثين تقديمها، كل حسب اختصاصه ومجالات اهتمامه، ستقدم أبعاداً جديدة وقراءات أعمق لنتائج استطلاعات الرأي المجردة، وهي ميدان خصب يأمل الباحث أن يكون قد غطى جزءاً منه، وفتح المجال لباحثين آخرين من مختلف التخصصات والخلفيات الثقافية ليقوموا بهذا الدور استناداً إلى نتائج هذه الاستطلاعات.

محاور الدراسة:

قسم الباحث دراسته إلى فصول ثلاثة: تناول الفصل الأول منها: استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث النشأة، التطور، الواقع، والمجالات، وتضمن ثلاثة مباحث: الأول: نشأة وتطور استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني: واقع استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، والثالث: مجالات استخدام استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، والتحديات التي تواجهها.

أما الفصل الثاني، فتناول قضايا الصراع العربي الإسرائيلي في استطلاعات الرأي العام الأمريكية، وتم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث: الأول: يناقش أهمية الصراع وآثاره، ويهتم الثاني بدراسة صورة أطراف الصراع في استطلاعات الرأي الأمريكية، أما الثالث فيتناول: قضايا الصراع في استطلاعات الرأي الأمريكية. وجاء الفصل الثالث – والأخير – بعنوان: الصراعات المسلحة وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي في استطلاعات الرأي الأمريكية، وتم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث: تناول الأول منها: النزاعات المسلحة في الصراع العربي الإسرائيلي، والثاني: مفاوضات ومبادرات السلام وتسوية الصراع، وأخيراً: دور الولايات المتحدة والأمم المتحدة في حل الصراع.

ثم جاءت خاتمة الدراسة لتعرض أهم ما توصل إليه الباحث من نتائج تتعلق بموضوع البحث، بالإضافة إلى توصيات تتعلق بكيفية الاستفادة من دراسات الرأي العام في تنمية مسيرة استطلاعات الرأي في المنطقة العربية، وفتح آفاق مستقبلية لمزيد من الأبحاث والدراسات في مجال استطلاعات الرأي بشكل عام، وفي المجال السياسي منه بشكل خاص.

أبرز النتائج:

وقد توصلت الدراسة إلى نتائج عامة من مجمل قراءة وتحليل استطلاعات الرأي السابقة ومنها:

  1. لم تنسلخ استطلاعات الرأي الأمريكية في اهتمامها وصياغتها عن البيئة العامة في التفكير الأمريكي وما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وتسويته؛فثمة قضايا هامة وجوهرية في الصراع العربي الإسرائيلي لم تتناولها أسئلة استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، كما لم تتناول بعض القضايا التي حملت بعداً إنسانياً لمصلحة الطرف العربي والفلسطيني، مثل: قضية اللاجئين، والاغتيالات الإسرائيلية للقادة الفلسطينيين،والجدار العازل،وحصار غزة، أو بعض القضايا التي تدين إسرائيل، مثل: المجازر، وامتلاك إسرائيل للأسلحة النووية.
  2. إن المؤيدين من الأمريكيين دوماً للكيان الصهيوني، وكما تظهره النظرة الإجمالية والدراسة الممتدة لمسار استطلاعات الرأي، هم في كل الحالات، ومهما تغيرت الظروف واختلفت صياغة الأسئلة، لا يزيدون عن ثلث الأمريكيين، أما النسبة المتبقية من الشعب الأمريكي فهم يتوزعون بمواقفهم المتوافقة أو المتعارضة مع الكيان الصهيوني حسب القضية التي تتناولها أسئلة استطلاعات الرأي، أو طريقة السؤال عنها، إضافة إلى البيئة المحيطة بزمن تنفيذ استطلاع الرأي، وغيرها من العوامل المؤثرة في اتجاهات الرأي العام.
  3. من أبرز مجالات التأثير على الرأي العام الأمريكي أن يظهر كل طرف أن رأيه موافق للأغلبية حسب ما تبينه نتائج استطلاعات الرأي (تأثير الأغلبية Majority affect)، وهذا ما يزيد من احتمالية تأثيره الكبير على أولئك الذين لم يحددوا موقفهم بعد، أو أولئك من غير الملمين بأبعاد الموضوع المختلفة، والذين يختارون في كثير من الأحيان موقف الحياد، أو يختارون (لا أعلم) في الإجابة، وهي نسبة كبيرة في بعض الاستطلاعات. وقد أبدع اليهود في هذا المجال، وما يزالون، عندما يظهرون دوماً أن أغلب الأمريكيين متعاطفون معهم ومؤيدون لهم ولقضاياهم، فيقومون بأرشفة هذه النتائج ونشرها بمختلف الوسائل، مثل ما تقوم به The Jewish Virtual Library أو The Israel Project، بل ويفعلون أكثر من ذلك، عندما يوظفون، وبطريقة غير أخلاقية ومهنية، جهات استطلاعية لتصنع لهم نتائج لمصلحتهم، مثل: (McLaughlin & Associates) وغيرها.

وفي المقابل، تغفل الجهات العربية والإسلامية عن هذه الأداة المهمة في التأثير، سواء بإبرازها أو الاستدلال بها، في حال كانت نتائج الاستطلاعات لمصلحتها، أو التعامل معها، أو نقدها في حال كانت غير علمية أو في غير مصلحتها.

التوصيات: 

  1. يجدر بالمؤسسات والجهات العربية أن تحرص على إقامة مراكز متخصصة لتنفيذ استطلاعات رأي بحرفية عالية ودقة علمية؛ لمواجهة الأرقام التي تبث من بعض مؤسسات استطلاعات الرأي الغربية والأمريكية، بحيث تحفظ الحصانة الفكرية والثقافية للمواطنين، وتمنع هذه الجهات من التأثير على صانع القرار والضغط عليه بسلاح وقوة الرأي العام وإرادة الجماهير.
  2. ما زالت محاولات وسائل الإعلام العربية متواضعة في تأسيس وحدات استطلاعات رأي بالمستوى المنشود، وهي تعاني من ضعف الإمكانيات المادية والقدرات البشرية من غير المتخصصين، إضافة إلى قلة الإنتاج وقصوره، بل وضعف استخدام الرقم الذي تنتجه مؤسسات استطلاعات الرأي لتكتمل به مهمة نقل الخبر، حيث يجد المراقب أن مهمة وسائل الإعلام العربية، حتى بالاستطلاعات المتعلقة بالشأن العربي والإسلامي، تقتصر على النقل عن وكالات عالمية، دون أي دور فلترة أو تقييم منهجي لها، ودون مراعاة خطورة هذه الأرقام المتطايرة في تأثير رأي الأغلبية ـ،كما تبرزه الاستطلاعات ، على رأي عامة الناس على سبيل المثال.
  3. تحتاج العديد من أقسام الجامعات العربية إلى تطوير وتأسيس مراكز استطلاعات رأي أكاديمية، ذات حرفية ومهنية عالية على مستوى العالم العربي، تنطلق من رسالة سامية في تزويد صناع القرار ومختلف القطاعات الحكومية والأهلية والباحثين وإدارة الجامعة وغيرهم بنتائج استطلاعات الرأي في مختلف المجالات؛ حتى تنهض بعلوم ومنهجيات استطلاعات الرأي، وحتى لا يترك هذا المجال لغير المتخصصين، الذين يقللون من شأن الكثير من هذه الخطوات العلمية والمنهجية.
  4. تحتاج الدراسات الميدانية الأكاديمية، من بحوث الترقية ورسائل الدراسات العليا، التي أخذت تنتشر بشكل بارز وكبير في العالم العربي، إلى المزيد من الاهتمام والعناية بالخطوات العلمية والعملية في العديد من مراحل تنفيذ هذه البحوث، مثل: العينات، وتدريب الباحثين، وتقنيات رفع نسبة الاستجابة، وآليات جمع البيانات، وغيرها.
  5. ما زالت الأدبيات العربية في مجال استطلاعات الرأي شحيحة، ويعاني الكثير منها من تشابه في مواضيع منهجيات البحث العلمي، مع افتقاد العديد منها إلى التطوير وإضافة جوانب واتجاهات حديثة في هذا السياق؛ مما يستلزم تكثيف الكتابات العربية والترجمات والأدلة العملية في تنفيذ دراسات واستطلاعات الرأي العام؛ ليستفيد منها الباحثون والقارئ العربي.
  6. كان من أهم مقومات نجاح التجربة الأمريكية، في مجال قياس الرأي العام، غياب أي حائل أمام الفيض الهائل والمتدفق من أسئلة مراكز استطلاعات الرأي، وهذا يحتم على الحكومات العربية أن ترفع القيود والتعقيدات كافة، من إجراءات روتينية، وموافقات أمنية ورسمية؛ من أجل تنفيذ استطلاعات الرأي في عالمنا العربي، مهما بلغت درجة حساسية موضوعاتها؛ حتى تنمو هذه الأداة في بيئة من الحرية ، وحتى تسهم في بناء علاقةِ شفافيةٍ بين الحاكم والمحكوم، وتطبيق للمشاركة المجتمعية الصحيحة؛ لتزرع الولاء الصادق بين الراعي والرعية، وليس الولاء الظاهري المرتبط بالمصالح الشخصية من جهة، و الخوف من السلطة السياسية من جهة أخرى.
  7. دعوة الأكاديميين والباحثين والمهتمين إلى تفعيل الشبكة العربية لاستطلاعات الرأي، والمساهمة في نشاطاتها وتنميتها.